بين الانتصار الرياضي والتفوق البنيوي: قراءة في مباراة المغرب والنيجر وردود الفعل الإعلامية الجزائرية
المقدمة
لم تعد كرة القدم مجرّد رياضة تنافسية تُحسم داخل المستطيل الأخضر، بل تحوّلت إلى ساحة رمزية تُجسّد طموحات الشعوب وتُبرز قدرات الدول على التنظيم والتخطيط والإبداع. فالمباريات الكبرى أصبحت تحمل رسائل تتجاوز النتيجة النهائية، لتعكس مستوى البنية التحتية، والقدرة على استقطاب الجماهير، وإدارة الأحداث الرياضية وفق معايير عالمية.
في هذا السياق، شكّلت المباراة التي جمعت المنتخب المغربي بنظيره من النيجر محطة فارقة، ليس فقط من الناحية الرياضية، بل من حيث تداعياتها الإعلامية والسياسية في المنطقة المغاربية. فقد نجح المنتخب المغربي في تحقيق الانتصار بأداء ثابت ونتيجة واضحة، بينما كان وقع الهزيمة قاسياً على الإعلام الجزائري الذي أظهر حالة من الارتباك والغضب، خصوصاً أمام صور الملعب الجديد الذي احتضن اللقاء، والذي اعتُبر تحفة معمارية بكل المقاييس.
هذا المقال يقدّم قراءة معمّقة في حيثيات هذه المواجهة، وفي الخلفيات الرياضية والإعلامية التي أحاطت بها، مع تحليل انعكاساتها على صورة المغرب إقليمياً وقارياً.
المحور الأول: مباراة المغرب والنيجر – ما بين الواقع الرياضي والقراءات الإعلامية
دخل المنتخب المغربي المباراة ضد النيجر في أجواء من الثقة، مستنداً إلى مسيرة مميزة خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد إنجازاته في كأس العالم 2022 ونجاحه في تثبيت مكانته كأحد أقوى المنتخبات الإفريقية. في المقابل، يُعتبر منتخب النيجر فريقاً متواضعاً من حيث التاريخ الكروي والإنجازات، وهو ما جعل التوقعات تصب في صالح "أسود الأطلس" قبل صافرة البداية.
ورغم أن المباراة لم تُقدّم أداءً فنياً خارقاً من الناحية الجمالية، إلا أن المنتخب المغربي أدارها بذكاء تكتيكي، ونجح في فرض إيقاعه الخاص. كان واضحاً أن منتخب النيجر اعتمد خطة دفاعية بحتة، إذ شكّل كتلة بشرية متماسكة في الخلف، محاولاً الحدّ من خطورة الهجوم المغربي. غير أن هذا التكتل الدفاعي لم يصمد أمام فرديات اللاعبين المغاربة، الذين استطاعوا اختراقه في أكثر من مناسبة.
اللافت هنا أن الإعلام الجزائري ركّز على الجانب الجمالي من الأداء، محاولاً التقليل من قيمة الفوز المغربي، متناسياً أن كرة القدم الحديثة لا تُقاس فقط بجمالية اللعب، بل أيضاً بالقدرة على حسم المباريات وتحقيق الأهداف. هذا التناقض يعكس – بشكل ضمني – حجم الصدمة التي تلقّاها الرأي العام الرياضي في الجزائر بعد النتيجة.
المحور الثاني: البنية التحتية الرياضية – الملعب الجديد كعنوان للتفوق المغربي
إحدى أبرز النقاط التي أثارت الجدل عقب المباراة كانت روعة الملعب الذي احتضن اللقاء، والذي صُمم وفق معايير عالمية متقدمة. فقد شكّل هذا الملعب رمزاً للتطور الكبير الذي عرفه المغرب في مجال البنية التحتية الرياضية خلال العقدين الأخيرين.
الملاعب الحديثة في المغرب ليست مجرد فضاءات للعب كرة القدم، بل هي مجمّعات رياضية وثقافية متكاملة، مجهّزة بأحدث التقنيات، وقادرة على استضافة التظاهرات الدولية الكبرى. وهذا ما جعل الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) والاتحاد الإفريقي (كاف) يُشيدان أكثر من مرة بالاستثمارات المغربية في هذا المجال.
في المقابل، وجد الإعلام الجزائري نفسه في موقف صعب؛ فمن جهة حاول مهاجمة جودة الأداء المغربي، ومن جهة أخرى لم يتمكّن من إخفاء إعجابه بالمستوى العالي للملعب الجديد. وهنا ظهر التناقض بوضوح: الغيرة من تفوق الجار، وفي الوقت ذاته الاعتراف الضمني بأن المغرب يسبق بخطوات كبيرة في مجال التنظيم الرياضي.
هذا التفوق لم يأتِ من فراغ، بل هو ثمرة رؤية استراتيجية قادها المغرب منذ سنوات، تقوم على اعتبار الرياضة رافعة أساسية للتنمية، ووسيلة للترويج لصورة البلاد عالمياً.
تعليقات
إرسال تعليق